الأحد، 17 أغسطس 2008

ضرير ولكن ببصيرته هزَ أركان السجن ... الجزء الثاني ...

حيث كانت عقارب الساعة تشير معلنتا وصول دقات العاشرة صباحة ...كم حننت لهذه الساعة
التي بها يستيقظ جميع الاسرى من نومهم ، ونجهز فطورنا المعتاد ونتناوله ، وبعدها نتحلق
بجلسات القرآن التي تتزين جنبات الخيمة بها ، أفاق الشباب من نومهم ، بدأت الأسألة تنهال
على مسمعي من كل حد وصوب ، متسآلة عن هذا القادم الجديد المتلفع بفراشي ...
وكان مني الجواب أنه أسير جديد .... جاء تعب بالصباح وها هو نائم ... لم ازد بها بكلمة
فجائني أمير القسم الذي أقطن فيه ... فتسائل عنه ... فأخذته جانبا ، ووضحت له أنه ضرير
فتأسف قائلا .. حسبنا الله ونعم الوكيل ، فتبسمت وراجعته بكلماته ... والله يا شيخي لا نتحسب
الا على انفسنا، ففهم أميري مردود كلماتي ، فطلب مني ايقاظ القادم الجديد ، فتم الأمر على اكمل وجه
سبحان الله كبدر الدجى كان وجهه .. تمسمر أمامي بابتسامته المعهودة ، وطالبني بأنه يريد الوضوء
فتماسكت يدي على يده .. وعيون الأسرى ترعى ظلنا خارج الخيمة ، منهم من تأسف على حالته كضرير
ومنهم من تحسب على العدو .. ولكن أنا :: كنت أمضي بعالم آخر مع هذا الضرير ، الذي ربما
بملامحه وجهه التي تدلل على مكنون قلب هذا الانسان ، الذي شعرت للوهلة الولى بشيء ربما لأول مرة
أحسه في انسان ، مضينا بالطريق إلى دورة المياه وانا اتضاحك معه .. وهو يردها بأحسن مني ....
توضأ وامسكت به متوجهين الى خيمتنا ... هناك جلس وبدأت حلقات الشباب حول جديدنا الضيف
الكل يتسائل ويود التعرف ... والضرير يرد بابتسامته ويعرف عن نفسه ... أبا معاذ .. يا الله
أبا معاذ ... تلك كنيته ... فضاحكته بقولي أمعاذ حي أم لم يعهد الدنيا .... فخرجت منه ضحكه
فقال لي : معاذ حي وياسمين حية .... فتبسمت وقلت ... ما شاء الله ... اللهم احفظهم
تنهدت زفرات الأسى التي تختلج بصدره ... فقال :: لم اود أن أفارقهم هنيهة .. ولكن القدر يدبرنا
والقدير يسيرنا ... كم كنت افتقد لهذه العبارة ... جاء وقت الفطور واجلسنا أبا معاذ للفطور
وكان لنا الفطور وبعدها ... تحلقنا بجلسات القرآن التي تظللها الملائكة بتيسير من عنده
فجلس أبا معاذ معنا بجلستي وكان مستمع لنا ... ونحن نرتل آيات سورة الكهف
فجاء الدور عنده ... فخاطبته :: أبا معاذ !!! فقال : معكم فبدأ يرتل .. ولكن أنا غاب قلبي عنهم
وتلعثم كل ما بقلبي... لسماع أبا معاذ ، يملك من الصوت ما شاء الله ... وترتيله متقن
فكان يقف على الأية بعض المرات ويشرح لنا كينونتها ومستقصدها ... فتبسمت لهذا الكنز
وقلت بنفسي ما شاء الله ... عليك يا أبا معاذ ... انتهت الجلسة وتجالسنا حول التلفاز لنستمع
لنشرة الأخبار ونستعد للجلسة القادمة ... وهي عبارة عن محاضرة قبل صلاة الظهر
فهمس باذني أبا معاذ ... وقال مخاطبا .. ماذا الأن : !!! فقلت له ان شاء الله جلسة محاضرة لأحد الشباب
جلس بجانبي أبا معاذ وجلس محاضرنا في آخر الخيمة ... وبدأ بدرسه كلما أخطأ بكلمة أبا معاذ يرده بابتسامة
وجائت صلاة الظهر وأذن مؤذننا ... وصلينا وبعدها تأتي فترة القرآءة التي تسبق قيلولة الظهيرة ..
فأحسست بأن أبا معاذ تعب ... فمسكت بيده وطالبته بالراحة ... فاستجاب بسرعة واستلقى على سريري
والقيت عليه بالغطاء ... وغط بنومه وتركته وانتهيت الى كتابي ....
وهنا وجب التوقف
وان شاء الله نكمل بوقت قادم
نستزد به من الايمان
وجزاكم الله كل خير
أخوكم في الله سيف فلسطين

الاثنين، 11 أغسطس 2008

هنا على الدنيا وجدت أرض القناديل .....

هنا على هذه البسيطة المسماة دنيا البشر وجدت ارض القناديل ارض ليست ككل أرض ... أرض بها القناديل انها قلب العالم النابض ، أرض نيرة وبقعة منيرة على الدوام بقناديل تزين حدودها ... قناديل ليست كالقناديل ... قناديل تهدي الحيارى وتنير درب المهاجرين والواثبين الى المعالي ، وتبعث الدفئ في قلوب ساكنيها وتبعث الحياة في الأرض الموات ... قناديل بشرية مؤمنة قابضة على دينها ... إنهم هم رهبان الليل وفرسان النهار ... بشر لم ولن يضرهم طول الطريق وتمادي الأشواك ووحشة المسير لقلة سالكيه ومؤانسة قاطعيه ... لا يهمهم كثرة المتربصين ولا تداعي المتداعين ولا تهاوي المتساقطين ...لا تخفهم همهمات العدو ولا غدر الغادرين ولا تململ شبح الموت بازقة المخاطر ... لا يتعبهم ذلك الجرح الذي يثعب دما ... انهم شريان متقد بنور العقيدة ... إنهم هم لا غيرهم ان كسرت قناديلهم واندلق زيتها ... وذاب الشمع ... واحترق الفتيل ... اسرجو نفوسهم بدمائهم وأشعلوا لحمهم فتيلا وأنارت نفوسهم بنور ربهم ...انها القناديل منها من أراد أن يأوي الا بطن الأرض ولكن بقي النورهناك يقرب الجوزاء بفرحته ولم يخمد التراب حبهم ولا ترقب السنون عشقهم ... بقو بالقلب كما هم لم ينجلوا بانجلاء أجسادهم عن دنيا البشر وتوهجت دمائهم لتنير سماء الامة الثكلى التي تتلعثم من كثرة الجراح ...انها القناديل عزلوها هناك ليكتموا صوتها ويخنقوا الحق الذي اعتصر بصدورهم حيث ترجل الصمت ونطق وجلجل ما بين الخافقين معلنا نصر الحق لو بعد حين ... ورسم الحروف من وجع السنون وعتمة السجون مجسدا بطولة الأبطال على جدار الطغيات وحقد بني صهيون ... وهناك قناديل انتزعت الحرية من بين أنياب الأسد ... وسكبت دمائها واراحت روحها رخيصة على طريق ذات الشوكة ... لتنبت زهورا طال عمرها وفاحت ريحها العطرة لتعلن لفجر جديد وتعلن بسما العدى أنه مهما طال عمر الزهووور فهناك كان الثمر هنااااك الثمر انه .................. ثمر ..........
جـــــــيــــــــــل الــــنــــــصر المــــنــــــشــــــــــــــود


بقلم العبد الفقير لرحمة الله

سيف فلسطين

الأحد، 3 أغسطس 2008

ضرير ولكن ببصيرته هزَ أركان السجن ...

كانت لطمة القدر قوية على قلبي وعلى نفسي ربما كان الموقف اكبر من الوصف
لكن هذه الحقيقة البصر يشع من اعيننا ويتقده امامه ضرير ، نصطف خلف هذا
الضرير في سكون وخشوع تام ، تفطر قلبي الما مما يترتل في مسمعي وينساب
بصوت العاشق في صلاة الفجر عاشق .. عشق حب الجهاد وحب الدعوة ،
نعم كانت اللطمة قوية من هذا الواقع بل القدر المر.. نقف خلف الضرير
ويؤم بنا صلاة الفجر يقرأ ... بصوته الندي الذي ارهقه الخشوع ايات سورة
يوسف ... تلك الايات التي تعطرت من فم سيدنا يوسف :: السجن أحب إلي
يا ربي ... تمسمرت دمعة لواقع هذا الضرير الذي لم يهتم لبصره .. ربما
لأن الله ابصر قلبه على نور الله .. يحمل هم الدين وهم الدعوة رغم فقده بصره ..
نرجع قليلا للوراء الى حيث قدوم هذا الرجل الذي هز بضرره اركان السجن
احسبه والله اسدأ عندما يواجه السجان بكلماته التي يقشعر له بدني ..
ربما كانت علاقتي به تختلف عن باقي من حوله .. أحببته في الله ..
نرجع الان ليوم قدومه الى القسم الذي اعيش به ...
في صبيحة يوم الاثنين .... كننا نتلاعب الرياضة التي تضفي على الجسم الرشاقة
عند اولى ساعات شروق الشمس ... فاذا ببوابه السجن تعلن ان هناك من دق مفاصلها
للدخول ... تمسمرنا باماكننا .. تلاحقت نظراتي خلف نظرات اخواني ونتصفح ذلك الوجه القادم
من خلف الاسلاك وقضبان السجن ... يا رباه انه كبير بالسن .. يمسكون به من الامام
بعكس الاخرين الذين كانوأ امامهم ... فتحت البوابة التي كنت انتظر بفارغ الصبر لاخرج منها الى
حيث اهلي ... لكن طرقات السنون طويلة خلف هذه القضبان ... ادخلوا ذلك الوجه الكريم
الى حيث موقفنا استقبلناه بالعناق .. وبالوجه الباسم .. جاء دوري للسلام عليه ولمعانقته
وتمني السلامة له ... شعرت كأن شيء دق بقلبي ... ما هذا شعور لم يعرف مصدره
مسمرت بجانبه وتصفحت صفيحة وجهه الباسم .. هو يتبسم يلبس نظارات سوداء
همس بجانبي قائلا : يا طيب ارشدني لدورة المياه ... فكانت اجابتي اسرع من الخيال
وقلت اتبعني يا ضيفنا .. فهمس باذني قائلا .. امسك يدي ... تعجبت من طلبه
فرددت بههمسة لامسة قلبه ...ماذا يا عمي .... فقال ... ضاحكا ... ابصر لي الطريق
فحينها ما كان مني الا الذهول لهذا الاسد ... فردة الفعل كانت غير ما وصفت
فرددت على عجالة .. أضرير انت ... فهمس ضاحكا نعم يا طيب ...
فحنوت على يده مصافحا وتلفت يمنة ويسرى خوفا عليه من درجات دورة المياه
وادخلته ... فبقيت خارجا بعدما اطمئننت لهدوءه ...
بعد قليل طرق لي الباب حتى أخرجه ... ففتحت له الباب ... ووجهته الى حيث المغسلة
ودللته الى الماء وبقيت امسك له المنشفة ... انتهى من وضوءه .. فالتفت لي وقال :
نظارتي ؟؟؟ فتلعت بها على عينيه .. وأرى الابتسامة من ثغره الباسم ...
توجهت به الى الخيمة .... وهو طلب ان يعيش عند ابناء حركة المقاومة الاسلامية _حماس
وهناك اجلسته على برشي والبرش هو السرير... وجلس وطلب مني يريد ان يصللي الضحى
فقبلت له السجادة الى القبلة وامسكته ووجهته الى القبلة ... وبدأ صلاته ... وأنا اتناظر الى وجهه
والى صلاته ... هو في صلاة ساكنه ... جائني بعض الاخوة يسألون عن الجديد ...
اما باقي الاسرى فهم في نيام .. وفي سكون كل شخص تجمد على سريره لم تحن ساعة الايقاظ
قالوا لي الاخوان متسائلين :: هل هو ضرير ؟؟؟ فهمس لهم نعم ... واخرجو كلمات الشفقى على حاله
واحواله ...انتهى الضرير من صلاته وهمس علي بصوت بسيط ... فرددت بسرعة عليه ..
انهضته عن سجادة الصلاة واجلسته على سريري ... فقال لي بنبرة حزينة ... ارجو ان لا اثقل عليك
فرددتها بسرعة لا يا عمي انت بقدر والدي ... فقال بهم كبير ... اني تعب من ليلة الاعتقال ..
فتاسرعت في لملمة اغراضي وجهزت له السرير... واستلقى .. والقيت عليه الفراش
وهممت بالابتعاد عنه ... فامسك ببنطالي .. قائلا .. ارجو شربة ماء ...
فاسرعت ... الى حيث مكوث الماء .. واحضرت له الاناء فشرب وارتوى وتلقيت منه الاناء
بمقولتي هنيئا ... فردها اسقاك الله من حوض رسوله ... فتبسمت لدعوته ..
وتوسد برأسه الوسادة واستلقى ... وغط في نوم عميق ....
هنا انتهى حبر قلمي ....
باذن الله ينتزود بهمة جديدة حتى نكمل لكم حياة الضرير وكيف هز اركان السجن ببصيرته ...
ان شاء الله سنكمل عمما قريب
وجزاكم الله كل خير
بقلم سيف فلسطين من سلسة حياة اسير