حيث كانت عقارب الساعة تشير معلنتا وصول دقات العاشرة صباحة ...كم حننت لهذه الساعة
التي بها يستيقظ جميع الاسرى من نومهم ، ونجهز فطورنا المعتاد ونتناوله ، وبعدها نتحلق
بجلسات القرآن التي تتزين جنبات الخيمة بها ، أفاق الشباب من نومهم ، بدأت الأسألة تنهال
على مسمعي من كل حد وصوب ، متسآلة عن هذا القادم الجديد المتلفع بفراشي ...
وكان مني الجواب أنه أسير جديد .... جاء تعب بالصباح وها هو نائم ... لم ازد بها بكلمة
فجائني أمير القسم الذي أقطن فيه ... فتسائل عنه ... فأخذته جانبا ، ووضحت له أنه ضرير
فتأسف قائلا .. حسبنا الله ونعم الوكيل ، فتبسمت وراجعته بكلماته ... والله يا شيخي لا نتحسب
الا على انفسنا، ففهم أميري مردود كلماتي ، فطلب مني ايقاظ القادم الجديد ، فتم الأمر على اكمل وجه
سبحان الله كبدر الدجى كان وجهه .. تمسمر أمامي بابتسامته المعهودة ، وطالبني بأنه يريد الوضوء
فتماسكت يدي على يده .. وعيون الأسرى ترعى ظلنا خارج الخيمة ، منهم من تأسف على حالته كضرير
ومنهم من تحسب على العدو .. ولكن أنا :: كنت أمضي بعالم آخر مع هذا الضرير ، الذي ربما
بملامحه وجهه التي تدلل على مكنون قلب هذا الانسان ، الذي شعرت للوهلة الولى بشيء ربما لأول مرة
أحسه في انسان ، مضينا بالطريق إلى دورة المياه وانا اتضاحك معه .. وهو يردها بأحسن مني ....
توضأ وامسكت به متوجهين الى خيمتنا ... هناك جلس وبدأت حلقات الشباب حول جديدنا الضيف
الكل يتسائل ويود التعرف ... والضرير يرد بابتسامته ويعرف عن نفسه ... أبا معاذ .. يا الله
أبا معاذ ... تلك كنيته ... فضاحكته بقولي أمعاذ حي أم لم يعهد الدنيا .... فخرجت منه ضحكه
فقال لي : معاذ حي وياسمين حية .... فتبسمت وقلت ... ما شاء الله ... اللهم احفظهم
تنهدت زفرات الأسى التي تختلج بصدره ... فقال :: لم اود أن أفارقهم هنيهة .. ولكن القدر يدبرنا
والقدير يسيرنا ... كم كنت افتقد لهذه العبارة ... جاء وقت الفطور واجلسنا أبا معاذ للفطور
وكان لنا الفطور وبعدها ... تحلقنا بجلسات القرآن التي تظللها الملائكة بتيسير من عنده
فجلس أبا معاذ معنا بجلستي وكان مستمع لنا ... ونحن نرتل آيات سورة الكهف
فجاء الدور عنده ... فخاطبته :: أبا معاذ !!! فقال : معكم فبدأ يرتل .. ولكن أنا غاب قلبي عنهم
وتلعثم كل ما بقلبي... لسماع أبا معاذ ، يملك من الصوت ما شاء الله ... وترتيله متقن
فكان يقف على الأية بعض المرات ويشرح لنا كينونتها ومستقصدها ... فتبسمت لهذا الكنز
وقلت بنفسي ما شاء الله ... عليك يا أبا معاذ ... انتهت الجلسة وتجالسنا حول التلفاز لنستمع
لنشرة الأخبار ونستعد للجلسة القادمة ... وهي عبارة عن محاضرة قبل صلاة الظهر
فهمس باذني أبا معاذ ... وقال مخاطبا .. ماذا الأن : !!! فقلت له ان شاء الله جلسة محاضرة لأحد الشباب
جلس بجانبي أبا معاذ وجلس محاضرنا في آخر الخيمة ... وبدأ بدرسه كلما أخطأ بكلمة أبا معاذ يرده بابتسامة
وجائت صلاة الظهر وأذن مؤذننا ... وصلينا وبعدها تأتي فترة القرآءة التي تسبق قيلولة الظهيرة ..
فأحسست بأن أبا معاذ تعب ... فمسكت بيده وطالبته بالراحة ... فاستجاب بسرعة واستلقى على سريري
والقيت عليه بالغطاء ... وغط بنومه وتركته وانتهيت الى كتابي ....
وهنا وجب التوقف
وان شاء الله نكمل بوقت قادم
نستزد به من الايمان
وجزاكم الله كل خير
أخوكم في الله سيف فلسطين